الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الطور كان حقا على اللّه أن يؤمنه من عذابه وأن ينعمه في جنته». اهـ.
.قال الماوردي: قوله تعالى: {وَالطُّورِ} فيه وجهان:أحدهما: أنه اسم للجبل بالسريانية، قاله مجاهد. قال مقاتل: يسمى هذا الطور زبير.الثاني: أن الطور ما أنبت، وما لا ينبت فليس بطور، قاله ابن عباس، وقال الشاعر:ثم في هذا الطور الذي أقسم الله به ثلاثة أقاويل:أحدها: أنه طور سيناء، قاله السدي.الثاني: أنه الطور الذي كلم الله عليه موسى، قاله ابن قتيبة.الثالث: أنه جبل مبهم، قاله الكلبي. وأقسم الله به تذكيرًا بما فيه من الدلائل.وقال بعض المتعمقة: إن الطور ما يطوى على قلوب الخائفين.{وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ} أي مكتوب، وفي أربعة أقاويل:أحدها: أنه الكتاب الذي كتب الله لملائكته في السماء يقرؤون فيه ما كان وما يكون.الثاني: أنه القرآن مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ.الثالث: هي صحائف الأعمال فمن أخذ كتابه بيمينه، ومن آخذ كتابه بشماله، قاله الفراء.الرابع: التوراة قاله ابن بحر.{فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: الصحيفة المبسوطة وهي التي تخرج للناس أعمالهم، وكل صحيفة فهي رق لرقة حواشيها، قال المتلمس: الثاني: هو ورق مكتوب، قاله أبو عبيدة.الثالث: هو ما بين المشرق والمغرب، قاله ابن عباس.{وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} فيه أربعة أوجه:أحدها: ما روى قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُتِيَ بِيَ إِلَى السَّمَاءِ فَرُفِعَ لَنَا الْبَيتُ المَعْمُورُ، فَإِذَا هُوَ حِيالُ الكَعْبَةِ، لَوْ خَرَّ خَرَّ عَلَيهَا، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَومٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا مِنهُ لَمْ يَعُودُوا إِلَيهِ» قاله علي وابن عباس.الثاني: ما قاله السدي: أن البيت المعمور، هو بيت فوق ست سموات، ودون السابعة، يدعى الضراح، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك من قبيلة إبليس لا يرجعون إليه أبدًا، وهو بحذاء البيت العتيق.الثالث: ما قاله الربيع بن أنس، أن البيت المعمور كان في الأرض في موضع الكعبة في زمان آدم، حتى إذا كان زمان نوح أمرهم أن يحجوا، فأبوا عليه وعصوه، فما طغى الماء رفع فجعل بحذائه في السماء الدنيا، فيعمره، فبوأ الله لإبراهيم الكعبة البيت الحرام حيث كان، قاله الله تعالى: {وَإِِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيْمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} الآية.الرابع: ما قاله الحسن أن البيت المعمور هو البيت الحرام.وفي {الْمَعْمُورِ} وجهان:أحدهما: أنه معمور بالقصد إليه.الثاني: بالمقام عليه، قال الشاعر: وتأول سهل أنه القلب، عمارته إخلاصه، وهو بعيد.{وَالسَّقْفِ المَرْفُوعِ} فيه وجهان:أحدهما: أنه السماء، قاله علي.الثاني: أنه العرش، قاله الربيع.{وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} فيه ثلاثة أقاويل:أحدها: أنه جهنم، رواه صفوان بن يعلى عن النبي صلى الله عليه وسلم.الثاني: هو بحر تحت العرش، رواه أبو صالح عن علي رضي الله عنه.الثالث: هو بحر الأرض، وهو الظاهر.وفي قوله: {الْمَسْجُورِ} سبعة تأويلات:أحدها: المحبوس، قاله ابن عباس والسدي.الثاني: أنه المرسل، قاله سعيد بن جبير.الثالث: الموقد نارًا، قاله مجاهد.الرابع: أنه الممتلىء، قاله قتادة.الخامس: أنه المختلط، قاله ابن بحر.السادس: أنه الذي قد ذهب ماؤه ويبس، رواه ابن أبي وحشية عن سعيد بن جبير.السابع: هو الذي لا يشرب من مائه ولا يسقى به زرع، قاله العلاء بن زيد.هذا آخر القسم، وجوابه: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لوَاقِعٌ} روى الكلبي: أن جبير بن مطعم قدم المدينة ليفدي حريفًا له يقال له مالك أسر يوم بدر، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة المغرب يقرأ {وَالطُّورِ} فجلس مستمعًا، حتى بلغ قوله تعالى: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} فأسلم جبير خوفًا من العذاب، وجعل يقول: ما كنت أظن أن أقوم من مقامي، حتى يقع بي العذاب.{يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا} فيه سبعة تأويلات:أحدها: معناه تدور دورًا، قاله مجاهد، قال طرفة بن العبد: الثاني: تموج موجًا، قاله الضحاك.الثالث: تشقق السماء، قاله ابن عباس لقوله تعالى: {فَإِذَا بُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} الآية.الرابع: تجري السماء جريًا، ومنه قول جرير: الخامس: تتكفأ بأهلها، قاله أبو عبيدة وأنشد بيت الأعشى: السادس: تنقلب انقلابًا.السابع: أن السماء ها هنا الفلك، وموره اضطراب نظمه واختلاف سيره، قاله ابن بحر.{يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} فيه تأويلان:أحدهما: يدفعون دفعًا عنيفًا ومنه قول الراجز: قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك والسدي وابن زيد.الثاني: يزعجون إزعاجًا، قاله قتادة.ويحتمل ثالثًا: أن يدعهم زبانيتها بالدعاء عليهم.{فَاكِهِينَ بِمَآ ءاتَاهُمْ رَبُّهُمْ} فيه خمسة أوجه:أحدها: معجبين، قاله ابن عباس.الثاني: ناعمين، قاله قتادة.الثالث: فرحين، قاله السدي.الرابع: المتقابلين بالحديث الذي يسر ويؤنس، مأخوذ من الفكاهة، قاله ابن بحر.الخامس: ذوي فاكهة كما قيل: لابن وتامر، أي ذو لبن وتمر، قاله عبيدة، ومعنى ذلك، أنهم ذوو بساتين فيها فواكه.{مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ} والسرر الوسائد، وفي المصفوفة ثلاثة أوجه:أحدها: المصفوفة بين العرش، قاله عكرمة.الثاني: هي الموصولة بالذهب.الثالث: أنها الموصولة بعضها إلى بعض حتى تصير صفًا، قاله ابن بحر.{وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} والعين الواسعة الأعين في صفائها، وهو جمع عيناء، ومنه قول الشاعر: وفي تسميتهن حورًا وجهان:أحدهما: لأنه يحار فيهن الطرف، قاله مجاهد.الثاني: لبياضهن، قاله الضحاك، ومنه قيل للخبز حوار لبياضه.{وَالَّذِينَ ءَآمَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانِ} فيه أربعة تأويلات:أحدها: أن الله يدخل الذرية بإيمان الأباء الجنة، قاله ابن عباس.الثاني: أن الله تعالى يعطي الذرية مثل أجور الآباء من غير أن ينقص الآباء من أجورهم شيئًا، قاله إبراهيم.الثالث: أنهم البالغون عملوا بطاعة الله مع آبائهم فألحقهم الله بآبائهم، قاله قتادة.الرابع: أنه لما أدرك أبناؤهم الأعمال التي عملوها تبعوهم عليها فصاروا مثلهم فيها، قاله ابن زيد.{وَمآ أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِمِ مِّن شَيْءٍ} فيه تأويلان:أحدهما: ما نقصناهم، قاله ابن عباس، قال رؤبة: أي لم ينقصني، ومعنى الكلام: ولم ينقص الآباء بما أعطينا الأبناء.الثاني: معناه وما ظلمناهم، قاله ابن جبير، قال الحطيئة: أي لا ظلمًا، ولا كذبًا. ومعنى الكلام: لم نظلم الآباء بما أعطينا الأبناء، وإنما فعل تعالى ذلك بالأبناء كرمة للآباء.{كُلُّ امْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} فيه وجهان:أحدهما: مؤاخذة كما تؤخذ الحقوق من الرهون.الثاني: أنه يحبس، ومنه الرهن لاحتباسه بالحق قال الشاعر: {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا} أي، يتعاطون ويتساقون بأن يناول بضعهم بعضًا، وهو المؤمن وزوجاته وخدمه في الجنة. والكأس إناء مملوء من شراب وغيره فهو كأس، فإذا فرغ لم يسم كاسًا، وشاهد التنازع والكأس في اللغة قول الأخطل: {لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ} فيها أربعة أوجه:أحدها: لا باطل في الخمر ولا مأثم، قاله ابن عباس وقتادة، وإنما ذلك في الدنيا من الشيطان.الثاني: لا كذب فيها ولا خلف، قاله الضحاك.الثالث: لا يتسابون عليها ولا يؤثم بعضهم بعضًا، قاله مجاهد.الرابع: لا لغو في الجنة ولا كذب، وهذا مروي عن ابن عباس أيضًا. واللغو ها هنا فحش الكلام كما قال ذو الرمة: {وَيَطُوفُ عَلَيْهُمْ غِلُمَانٌ لَّهُمْ} ذكر ابن بحر فيه وجهين:أحدهما: ان يكون الأطفال من أولادهم الذين سبقوهم، فأقَرَّ الله بهم أعينهم.الثاني: أنهم من أخدمهم الله إياهم من أولاد غيرهم.{كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} أي مصون بالكن والغطاء، ومنه قول الشاعر: قال قتادة: بلغني أنه قيل يا رسول الله هذا الخدم مثل اللؤلؤ المكنون فكيف المخدوم؟ قال:«والذي نفسي بيده لفضل ما بينهم، كفضل القمر ليلة البدر على النجوم».{فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} يحتمل وجهين:أحدهما: بالجنة والنعيم. الثاني: بالتوفيق والهداية.{وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: أنه عذاب النار، قاله ابن زيد. وقال الأصم: السموم اسم من أسماء جهنم.الثاني: أنه وهج جهنم، وهو معنى قول ابن جريج.الثالث: لفح الشمس والحر، وقد يستعمل في لفح البرد، كما قال الراجز: {إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} فيه ثلاثة تأويلات:أحدها: أن البر الصادق، قاله ابن جريج.الثاني: اللطيف، قاله ابن عباس.الثالث: أنه فاعل البر المعروف به، قاله ابن بحر.{فَذَكِّرْ} يعني بالقرآن.{فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ} يعني برسالة ربك.{بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ} تكذيبًا لعتبة بن ربيعة حيث قال إنه ساحر، وتكذيبًا لعقبة بن معيط، حيث قال: إنه مجنون.{أَمْ يَقولونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} قال قتادة: قال ناس من الكفار: تربصوا بمحمد الموت يكفيكموه، كما كفاكم شاعر بني فلان، وشاعر بني فلان، قال الضحاك: هؤلاء بنو عبد الدار، نسبوه إلا أنه شاعر.وفي {ريب المنون} وجهان:أحدهما: الموت، قاله ابن عباس.الثاني: حوادث الدهر، قاله مجاهد. المنون: الدهر، قال أبو ذؤيب: {أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ} فيه وجهان:أحدهما: مفاتيح الرحمة.
|